في النهاية، نحن مقيدون بالبشر، بحكم الغريزة في أغلب الأوقات هم من يعطون لميلنا إلى البقاء معنى. أقول للقطة وهي ممددة على حجري في ارتياح. في كل مرة يقول فيها أحدهم شيئا شديد الابتذال مثل: تحرروا من الأشخاص. أصاب بالغثيان، خصوصا حينما أرى أن جميع تصرفاتهم دليل على مدى تعلقهم بمن حولهم. ينكرون ذلك كأنه دليل على الضعف. بائس، حينما ترى شخصا يشارك من حوله بعزلته، إلى أن تتفكك الكلمة من معناها وتُبتَذل، ولكي أميز نفسي عن هؤلاء أحاول أن أخلق لنفسي معجمي الخاص، تقل منه الكلمات إلى أن يأتي اليوم الذي لن أستطيع أن أجيب فيه على تحيات الصباح..لا أفعل شيئا بوقتي. أترك الثواني تتحول لدقائق، الأسابيع تبتلعها الأشهر، وياحسرتاه، السنون تمضي.
دفعت المقربين بحجة أن اكتئابهم تأثيره سيء عليّ. وما الذي تبقى الآن؟
أفضل تمشيات الفجر، قلت للقطة، لأن العالم يستحيل ميتا وقتئذ. لا أحد سواي، حينها ينفجر الجمال من الجمادات وتستحيل حية.
أيام كثيرة تمضي دون نوم، وأخرى بإمكاني فيها أن أنام لأسابيع ولا أشبع. أستيقظ بصداع جهنمي، كما لو أن نومي في حد ذاته استحال نشاطا. كنت سعيدا لمدة يوم واحد منذ بداية تلك السنة، وسرعان ما امتصت المآسي التافهة سعادتي الذاتية، تلك الأعباء/ البكائيات هي صليبي الذي يزيد من وزن حدبتي مع مرور الزمن.
ليس بوسعي أن أكون صادقا مع نفسي. حينما انقشعت كل أسباب الغضب التي كنت ألقي بعبئي عليها، أدركت أن الأمر كله فيّ. أدركت كم أن باطني مشوه. لأني لست محور العالم، لأني لست بطلا لأزمة من نوع خاص، لأن غضبي خاوٍ. طفل باكٍ آخر، ليس هناك ما هو مثير. كلها هرمونات.
أتظنين أن العالم سيأتي لمضجعي مسلما لي نفسه فقط حينما أكف عن المحاولة؟ أسأل القطة. القطة السمينة تتثاءب. تقفز من على حجري للأرض، مستسلمة لمغامرات الشوارع.

image

كلها شهران ونصف وأتم اربعة وعشرين من عمري.
كلما فكرت في الأمر، شعرت بالذنب. أستحضر كل الخطط القديمة، وأعود لنفسي لأرى أنني أصبحت كل ما كانت تكرهه نسختي الأصغر مني.لا أعرف، أحسني عجوزا ومملا لأقصى حد وقد انسحبت كل القوة والطاقة من تصرفاتي،
طموحاتي كانت دوما أنني سأسبق الجميع بخطوات عدة، العمر والعالم كله ملكي. والآن انظر لي، كل شيء ذهب، بدون شيء واحد يميزني. المزاح هدأ، والضحكات قلّت، والبراءة انتهت. بلا رغبة في اكتشاف ما هو جديد، أرى دهشات من حولي وأردد: أرني شيئا لم أره من قبل. أفكر، أنا مزيف بقدر أي شخص آخر اعتدت أن أسخر منه. لم يعد عمري بشيء أتباهى به، الانسحاب الأسهل، الرثاء الدائم للذات، الخطوة الأولى نحو البلوغ.
كل الفرص ضاعت، لم يعد بوسعي أن أحرك شيئا في ذلك العالم. أن أثبت نفسي. أخاف من النضج، من الكبر، من أن أصبح مثل أي شخص في الثلاثين بعقل مراهق مثلي تماما.
لا مفر، أعرف أنني لن أهرب من المصير، من أن أكون ترسا تكاد لا تراه في خطة أكبر مني بكثير. لأن ما من فائدة من شاب أدرك أن محاولاته كلها عديمة النفع، وأصبحت كل طاقته منصبة على محاولة النجاة ليوم آخر.. خطوة اخرى نحو الكهولة .

image

ربما أكثر العقد التي خربت مراهقتي هي أبي.
أمر حزين أن تبحث عن أب في كل شخص تراه، بينما هو بالجوار. بعيد جدا كأقصى مسافة يمكن أن تلتقطها بنظرك، وقريب جدا كدنو عينيك من وجهك.
لكن الأكثر إيلاما هو الشعور الثقيل بالرفض. أصعب تحديات حياتي هو أن أراه فخورا بي، أظنه يمقتني. لم يعطني أي انطباع عني من قبل كما لو أن وجودي يثير فيه الاشمئزاز. أحبه أكثر مما يحبني، حالة معكوسة عندما يكون الابن أكثر حرصا على لملمة ما تهشم من علاقته مع أبيه، دون معرفة سبب لهذا التهشم.

في هاذا الموقع لا يمكن نشر منشور طويل و هذه مشكلة .. اغلب افكاري غير منتهية

عادة الأشياء أن تسم المرء بميسمها، وبناء على ذلك، تجد لي اسما جديدا مع اختلاف الظروف.
تتجدد الأحوال، وتتجدد الانطباعات، ولكنني أظل على حالي. خائف من أخذ خطوة للأمام، غير مرتاح في أي وضع، ولا أتوائم مع ما أنا فيه. شعور دائم بأنني استنزفت كل الفرص، وأن الصدمات لم تعطني أدنى مناعة. وقلاع التجديد تنهض على حواف هاوية لا تدرك غورها.
دوما عالق بين الخيارات، ووسط تشتتي، تشدني الاختيارات من كل جهة وأنا في المنتصف ممزق، تسيرني الأمور على أمزجتها، وتغدو الآمال أحلاما آفلة. دوما أصطدم بذات العربة.
حاولت أن أغسل السواد عن وجهي، ولكنه متجذر، في أفضل الأحوال يبهت اللون. أسبح في محيطات أبدية من الهرمونات.

image
About

افرغ ما بداخلك من تراكمات فكرية او حسية