في النهاية، نحن مقيدون بالبشر، بحكم الغريزة في أغلب الأوقات هم من يعطون لميلنا إلى البقاء معنى. أقول للقطة وهي ممددة على حجري في ارتياح. في كل مرة يقول فيها أحدهم شيئا شديد الابتذال مثل: تحرروا من الأشخاص. أصاب بالغثيان، خصوصا حينما أرى أن جميع تصرفاتهم دليل على مدى تعلقهم بمن حولهم. ينكرون ذلك كأنه دليل على الضعف. بائس، حينما ترى شخصا يشارك من حوله بعزلته، إلى أن تتفكك الكلمة من معناها وتُبتَذل، ولكي أميز نفسي عن هؤلاء أحاول أن أخلق لنفسي معجمي الخاص، تقل منه الكلمات إلى أن يأتي اليوم الذي لن أستطيع أن أجيب فيه على تحيات الصباح..لا أفعل شيئا بوقتي. أترك الثواني تتحول لدقائق، الأسابيع تبتلعها الأشهر، وياحسرتاه، السنون تمضي.
دفعت المقربين بحجة أن اكتئابهم تأثيره سيء عليّ. وما الذي تبقى الآن؟
أفضل تمشيات الفجر، قلت للقطة، لأن العالم يستحيل ميتا وقتئذ. لا أحد سواي، حينها ينفجر الجمال من الجمادات وتستحيل حية.
أيام كثيرة تمضي دون نوم، وأخرى بإمكاني فيها أن أنام لأسابيع ولا أشبع. أستيقظ بصداع جهنمي، كما لو أن نومي في حد ذاته استحال نشاطا. كنت سعيدا لمدة يوم واحد منذ بداية تلك السنة، وسرعان ما امتصت المآسي التافهة سعادتي الذاتية، تلك الأعباء/ البكائيات هي صليبي الذي يزيد من وزن حدبتي مع مرور الزمن.
ليس بوسعي أن أكون صادقا مع نفسي. حينما انقشعت كل أسباب الغضب التي كنت ألقي بعبئي عليها، أدركت أن الأمر كله فيّ. أدركت كم أن باطني مشوه. لأني لست محور العالم، لأني لست بطلا لأزمة من نوع خاص، لأن غضبي خاوٍ. طفل باكٍ آخر، ليس هناك ما هو مثير. كلها هرمونات.
أتظنين أن العالم سيأتي لمضجعي مسلما لي نفسه فقط حينما أكف عن المحاولة؟ أسأل القطة. القطة السمينة تتثاءب. تقفز من على حجري للأرض، مستسلمة لمغامرات الشوارع.